فصل: تفسير الآيات (62- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفرق بين ذلك وبين طلاقة الوجه:

أن طلاقة الوجه خلاف العبوس والعبوس تكره الوجه عند اللقاء والسؤال وطلاقته انحلال ذلك عنه وقد طلق يطلق طلاقه كما قيل صبح صباحة وملح ملاحة وأصل الكلمة السهولة والانحلال وكل شيء تطلقه من حبس أو تحله من وثاق فينصف كيف شاء أو تحلله بعد تحريمه أو بتيحه بعد المنع تقول أطلقته وهو طلق وطليق ومنه طلقت المرأة لأن ذلك تخليص من الحمل.

.الفرق بين الطهارة والنظافة:

أن الطهارة تكون في الخلقة والمعاني لأنها تقتضي منافاة العيب يقال فلان طاهر الأخلاق وتقول المؤمن طاهر مطهر يعني أنه جامع للخصال المحمودة والكافر خبيث لأنه خلاف المؤمن وتقول هو طاهر الثوب والجسد والنظافة لا تكون إلا في الخلق واللباس وهي تفيد منافاة الدنس ولا تستعمل في المعاني وتقول هو نظيف الصورة أي حسنها ونظيف الثوب والجسد ولا تقول نظيف الخلق.

.الفرق بين القبح والسماجة:

أن السماجة فعل العيب والشاهد قول الهذلي فمنهم صالح وسمج وجعل السماجة نقيض الصلاح والصلاح فعل فكذلك ينبغي أن تكون السماجة فلو كانت السماجة قبح الوجه لم يحسن أن يقول ذلك ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول فمنهم صالح وقبيح الوجه وقال ابن دريد ربما قيل لما جاء بعيب سمجا ثم اتسع في السماجة فاستعمل مكان قبح الصورة فقيل وجه سميح وسمج قيل قبيح كأنه جاء بعيب لأنه القبح عيب.

.الفرق بين القبيح والوحش:

أن الوحش الهزيل وقد نوحش الرجل إذا هزل وتوهش أيضا إذا تجوع فسمي المنظر باسم الهزيل لأن الهزيل قبيح ويجوز أن يقال إن الوحش هو المتناهي في القباحة حتى يتوحش الناظر من الناظر إليه ويكون الوحش على هذا التأويل بمعنى الموحش وتوحش الرجل أيضا إذا تعرى ويجوز أن يكون الوحش العاري من الحسن وهو شبيه بما تقدم من ذكر الهزال.

.الفرق بين السرور والاستبشار:

أن الاستبشار هو السرور بالبشارة والاستفعال للطلب والمستبشر بمنزلة من طلب السرور في البشارة فوجد وأصل البشرة من ذلك لظهور السور في بشره الوجه.

.الفرق بين السرور والفرح:

أن السرور لا يكون إلا بما هو نفع أو لذة على الحقيقة وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذة كفرح الصبي بالرقص والعدو والسباحة وغير ذلك مما يتعبه ويؤذيه ولا يسمى ذلك سرورا ألا ترى أنك تقول الصبيان يفرحون بالسباحة والرقص ولا تقول يسرون بذلك ونقيض السرور الحزن ومعلوم أن الحزن يكون بالمرازئ فينبغي أن يكون السرور بالفوائد وما يجري مجراها من الملاذ ونقيض الفرح الغم وقد يغتم الإنسان بضرر يتوهمه من غير أن يكون له حقيقة وكذلك يفرح بما لا حقيقة له كفرح الحالم بالمنى وغيره ولا يجوز أن يحزن ويسر بما لا حقيقة له صويفة الفرح والسرور في العربية تنبئ عما قلناه فيهما وهو أن الفرح فعل مصدر فعل فعلا وفعل المطاوعة والانفعال فكانه شيء يحدث في الفرح فعل مصدر فعل فعلا وفعل المطاوعة والانفعال فكأنه شيء يحدث في النفس من غير سبب يوجبه والسرور اسم وضع موضع المصدر في قولك سر سرورا وهو فعل يتعدى ويقتضي فاعلا فهو مخالف للفرح من كل وجه ويقال فرح إذا جعلته كالنسبة وفارح إذا بنيته على الفعل قال الفراء الفرح الذي يفرح في وقته والفارح الذي يفرح في ما يستقبل مثل طمع وطامع.

.الفرق بين السرور والجذل:

أن الجذل هو السرور الثابت مأخوذ من قولك جاذل منتصب ثابت لا يبرح مكانه وجذل كل شيء أصله ورجل جذلان ولا يقال جاذل إلا ضرورة.

.الفرق بين السرور والحبور:

أن الحبور هو النعمة الحسنة من قولك حبرت الثوب إذا حسنته وفسر قوله تعالى: {في روضة يحبرون} أي ينعمون وإنما يسمى السرور حبورا لأنه كيون مع النعمة الحسنة وقيل في المثل ما من دار ملئت حبرة إلا ستملا عبرة قالوا الحبرة ههنا السرور والعبرة الحزن وقال العجاج من شطور الرجز:
الحم لله الذي أعطى الحبر ** موالي الحق إن المولى شكر

وقال الفراء الحبور الكرامة وعندنا أن هذا على جهة الاستعارة والأصل فيه النعمة الحسنة ومنه قولهم للعالم حبر لأنه بأحسن الأخلاق والمداد لأنه يحسن الكتب.

.الفرق بين الهم والغم:

أن الهم هو الفكر في إزالة المكروه واجتلاب المحبوب وليس هو من الغم في شيء ألا ترى أنك تقول لصاحبك أهتم بحاجتي ولا يصح أن تقول أغتم بها والغم معنى ينقبض القلب معه ويكون لوقوع ضرر قد كان أو توقع ضرر يكون أو يتوهمه وقد سمي الحزن الذي تطول مدته حتى يذيب البدن هما وشتقاقه من قولك انهم الشحم إذا ذاب وهمه أذبه.

.الفرق بين الحزن والكرب:

أن الحزن تكاثف الغم وغلظه مأخوذة من الأرض الحزن وهو الغليظ الصلب والكرب تكاثف الغم مع ضيق الصدر ولهذا يقال لليوم الحار يوم كرب أي كرب من فيه وقد كرب الرجل وهو مكروب وقد كربه إذا غمه وضيق صدره.

.الفرق بين الحزن والكآبة:

أن الكآبة أثر الحزن البادي على الوجه ومن ثم يقال علته كآبة ولا يقال علاه حزن أو كرب لأن الحزن لا يرى ولكن دلالته على الوجه وتلك الدلالات تسمى كآبة والشاهد قول النابغة من الطويل:
إذا حل بالأرض البرية أصبحت ** كئيبة وجه غبها غير طائل

فجعل الكآبة في الوجه.

.الفرق بين الغم والحسرة والأسف:

أن الحسرة غم يتجدد لفوت فائدة فليس كل غم حسرة والأسف حسرة معها غضب أو غيظ والآ الغضبان المتلهف على الشيء ثم كثر ذلك حتى جاء في معنى الغضب وحده في قوله تعالى: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} أي أغضبونا واستعمال الغضب في صفات الله تعالى مجاز وحقيقته إيجاب العقاب للمغضوب عليه.

.الفرق بين الحزن والبث:

أن قولنا الحزن يفيد غلظ الهم وقولنا البث يفيد أنه ينبث ولا ينكتم من قولك أبثثته ما عند وبثثته إذا أعلمته إياه وأصل الكلمة كثرة التفريق ومنه قوله تعالى: {كالفراش المبثوث} وقال تعالى: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} فعطف البث على الحزن لما بينهما من الفرق في المعنى وهو ما ذكرناه. اهـ.

.تفسير الآيات (62- 66):

قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دلهم بآيات الآفاق، وكانت كلها من أحوال السراء، وكانت بمعرض الغفلة عن الإله، ذكرهم بما في أنفسهم مما يوجبه تغير الأحوال الدالة بمجردها على الإله، ويقتضي لكل عاقل صدق التوجه إليه، وإخلاص النية لديه، والإقبال عليه، على ذلك ركزت الطباع، وانعقد الإجماع، فلم يقع فيه نزاع، فقال: {أمن يجيب المضطر} أي جنس الملجأ إلى ما لا قبل له به، الصادق على القليل والكثير إذا أراد إجابته كما تشاهدون، وعبر فيه وفيما بعده بالمضارع لأنه مما يتجدد، بخلاف ما مضى من خلق السماوات وما بعده {إذا دعاه} أي حين ينسيكم الضر شركاءكم، ويلجئكم إلى من خلقكم ويذهل المعطل عن مذهبه ويغفله عن سوء أدبه عظيمُ إقباله على قضاء أربه.
ولما كانت الإجابة ذات شقين، جلب السرور، ودفع الشرور، وكان النظر إلى الثاني أشد، خصه بادئًا به فقال: {ويكشف السوء} ثم أتبعه الأول على وجه أعم، فقال مشيرًا إلى عظيم المنة عليهم بجعلهم مسلطين عالين على جميع من في الأرض وما في الأرض مشرفين بخلافته سبحانه، ولذلك أقبل عليهم، {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي فيما يخلف بعضكم بعضًا، لا يزال يجدد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلى قيام الساعة.
ولما كان هذا أبين، كرر الإنكار فيه مبكتًا لهم بالنسيان فقال: {أإله} أي كائن أو موجود {مع الله} أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له.
ثم استأنف التبكيت تفظيعًا له ومواجهًا به في قراءة الجماعة لما يؤذن به كشف هذه الأزمات من القرب المقتضي للخطاب، ولذلك أكد بزيادة {ما} فقال: {قليلًا ما تذكرون} أي بأن من أنجاكم من ذلك وحده حين أخلصتم له التوجه عند اشتداد الأمر هو المالك لجميع أموركم في الرخاء كما كان مالكًا له في الشدة، وأن الأصنام لا تملك شيئًا بشفاعة ولا غيرها كما لم تملك شيئًا في اعتقادكم عند الأزمات، واشتداد الكربات، في الأمور المهمات، فإن هذا قياس ظاهر، ودليل باهر، ولكن من طبع الإنسان نسيان ما كان فيه من الضير، عند مجيء الخير، ومن قرأ بالتحتانية وهم أبو عمرو وهشام وروح، فللإيذان بالغضب الأليق بالكفران، مع عظيم الإحسان.
ولما ذكر آيات الأرض، وختم بالمضطر، وكان المضطر قد لا يهتدي لوجه حيلة، أتبعها آيات السماء ذاكرًا ما هو من أعظم صور الاضطرار فقال: {أمَّن يهديكم} أي إذا سافرتم بما رسم لكم من المعالم العلوية والسفلية {في ظلمات البر} أي بالنجوم والجبال والرياح، وهي وإن كانت أضعفها فقد يضطر إليه حيث لا يبدو شيء من ذينك {والبحر} بالنجوم والرياح.
ولما كانت الرياح كما كانت من أدلة السير، كان بعضها من أدلة المطر، قال: {ومن يرسل الرياح} أي التي هي من دلائل السير {نشرًا} أي تنشر السحاب وتجمعها {بين يدي رحمته} أي التي هي المطر تسمية للمسبب باسم السبب؛ والرياح التي يهتدي بها في المقاصد أربع: الصبا، والدبور، والشمال، والجنوب، وهي أضعف الدلائل؛ قال الإمام أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في كتاب أسماء الأشياء وصفاتها: الرياح أربع: الشمال، وهي التي تجيء عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق- يعني: وذلك ما بين مطالع الشمس الصيفية وبنات نعش، وهي في الصيف حارة، واسمها البارح، والجنوب تقابلها، والصبا من مطلع الشمس وهي القبول، والدبور تقابلها، ويقال الجنوب: النعامى والأرنب-. انتهى.
وهذه العبارة أبين العبارات في تعيين هذه الرياح، وقال الإمام أبو العباس أحمد بن أبي أحمد بن القاص الطبري الشافعي في كتابه أدلة القبلة: إن قبلة العراقيين إلى باب الكعبة كله إلى الركن الشامي الذي عند الحجر، وقال: وقد اختلف أهل العلم بهذا الشأن- أي في التعبير عن مواطن الرياح- اختلافًا متباينًا، وأقرب ذلك- على ما جربته وتعاهدته بمكة- أن الصبا تهب ما بين مطالع الشمس في الشتاء إلى مطلع سهيل، وسهيل يمان مسقطه في رأي العين على ظهر الكعبة إذا ارتفع، وقال صاحب القاموس: والصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، وقال: والقبول كصبور: ريح الصبا، لأنها تقابل الدبور، أو لأنها تقابل باب الكعبة، أو لأن النفس تقلبها.
وقال الإمام أبو عبد الله القزاز: الصبا: الريح التي تهب من مطلع الشمس، والقبول: الريح التي تهب من مطلع الشمس، وذلك لأنها تستقبل الدبور، وقيل: لأنها تستقبل باب الكعبة وهي الصبا، فقد اتفقت أقولهم كما ترى على خلاف ابن القاص، وقال ابن القاص: وهي- أي الصبا- ريح معها روح وخفة، ونسيم تهب مما بين مشرق الشتاء ومطلع سهيل، ولها برد يقرص أشد من هبوبها، وتلقح الأشجار، ولا تهب إلا بليل، سلطانها إذا أظلم الليل، إلى أن يسفر النهار وتطلع الشمس، وأشد ما يكون في وقت الأسحار وما بين الفجرين، والجنوب تهب ما بين مطلع سهيل إلى مغارب الشمس في الصيف.